فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{رَبَّنَا أنك مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} مبالغةٌ في استدعاء الوقايةِ وبيانٌ لسببه. وتصديرُ الجملةِ بالنداء للمبالغةِ في التضرع والجُؤار، وتأكيدُها لإظهار كمالِ اليقينِ بمضمونها والإيذانِ بشدة الخوفِ، وإظهارُ النارِ في موضع الإضمارِ لتهويلِ أمرِها، وذكرُ الإدخالِ في مورد العذابِ لتعيين كيفيتِه وتبيينِ غاية فظاعتِه. قال الواحدي: للإخزاء معانٍ متقاربةٌ يقال: أخزاه الله أي أبعده، وقيل: أهانه، وقيل: أهلكه، وقيل: فضحه. قال ابن الأنباري: الخزيُ لغةً الهلاكُ بتلف أو بانقطاع حجةٍ أو بوقوع في بلاء، والمعنى فقد أخزيته خِزيًا لا غايةَ وراءَه كقولهم: من أدرك مَرْعى الصمّانِ فقد أدرك، أي المرعى الذي لا مرعى بعدَه، وفيه من الإشعار بفظاعة العذابِ الروحاني ما لا يخفى. وقوله تعالى: {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} تذييلٌ لإظهار نهايةِ فظاعةِ حالِهم ببيان خلودِ عذابِهم بفُقدان من ينصُرهم ويقوم بتخليصهم، وغرضُهم تأكيدُ الاستدعاءِ ووضعُ الظالمين موضعَ ضميرِ المُدخَلين لذمهم والإشعارِ بتعليل دخولِهم النارَ بظلمهم ووضعِهم الأشياء في غير مواضعِها، وجمعُ الأنصارِ بالنظر إلى جمع الظالمين أي ما لظالم من الظالمين نصيرٌ من الأنصار، والمرادُ به من ينصُر بالمدافعة والقهر فليس في الآية دِلالةٌ على نفي الشفاعةِ، على أن المرادَ بالظالمين هم الكفارُ. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{رَبَّنَا أنك مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} مبالغة في استدعاء الوقاية من النار وبيان لسببه، وصدرت الجملة بالنداء مبالغة في التضرع إلى معود الإحسان كما يشعر به لفظ الرب، وعن ابن عباس أنه كان يقول: اسم الله تعالى الأكبر رب رب، والتأكيد بأن الإظهار كمال اليقين بمضمون الجملة، والإيذان بشدّة الخوف ووضع الظاهر موضع الضمير للتهويل، وذكر الإدخال في موارد العذاب لتعيين كيفيته وتبيين غاية فظاعته والإخزاء كما قال الواحدي جاء لمعان متقاربة فعن الزجاج يقال: أخرى الله تعالى العدو أي أبعده، وقيل: أهانه، وقيل: فضحه، وقيل: أهلكه، ونقل هذا عن المفضل، وقيل: أحله محلًا وأوقفه موقفًا يستحى منه.
وقال ابن الأنباري: الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو بانقطاع حجة أو بوقوع في بلاء؛ والمراد فقد أخزيته خزيًا لا غاية وراءه، ومن القواعد المقررة أنه إذا جعل الجزاء أمرًا ظاهر اللزوم للشرط سواء كان اللزوم بالعموم والخصوص كما في قولهم: من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك، أو بالاستلزام كما في هذه الآية يحمل على أعظم أفراده وأخصها لتربية الفائدة، ولهذا قيد الخزي بما قيد.
واحتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أن العذاب الروحاني أقوى من العذاب الجسماني وذلك لأنه رتب فيها العذاب الروحاني وهو الإخزاء بناءًا على أنه الإهانة والتخجيل على الجسماني الذي هو إدخال النار، وجعل الثاني شرطًا والأول جزاءًا، والمراد من الجملة الشرطية الجزاء والشرط قيد له فيشعر بأنه أقوى وأفظع وإلا لعكس كما قال الإمام الرازي وأيضا المفهوم من قوله تعالى: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] طلب الوقاية منه، وقوله سبحانه: {رَبَّنَا} الخ دليل عليه فكأنه طلب الوقاية من المذكور لترتب الخزي عليه فيدل على أنه غاية يخاف منه كما قاله بعض المحققين واحتج بها المعتزلة على أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن لأنه إذا أدخله الله تعالى النار فقد أخزاه والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمٌ لاَّ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحًا عسى رَبُّكُمْ} [التحريم: 8]، وأجيب بأنه لا يلزم من أن لا يكون من آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم مخزيًا أن لا يكون غيره وهو مؤمن كذلك، وأيضا الآية ليست عامة لقوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} [مريم: 71، 72] فتحمل على من أدخل النار للخلود وهم الكفار، وهو المروي عن أنس وسعيد بن المسيب وقتادة وابن جريج.
وأيضا يمكن أن يقال: إن كل من يدخلها مخزي حال دخوله وإن كانت عاقبة أهل الكبائر منهم الخروج، وقوله تعالى: {يَوْمٌ لاَّ} [التحريم: 8] الخ نفي الخزي فيه على الإطلاق والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة وهو نفس الخزي المخلد، وأيضا يحتمل أن يقال: الإخزاء مشترك بين التخجيل والأهلاك والمثبت هو الأول والمنفي هو الثاني، وحينئذ لا يلزم التنافي.
واحتجت المرجئة بها على أن صاحب الكبيرة لا يدخل النار لأنه مؤمن لقوله تعالى: {المتقون يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} [البقرة: 178] وقوله سبحانه: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمٌ لاَّ يُخْزِى الله النبى} [التحريم: 8] الخ والمدخل في النار مخزي لهذه الآية، وأجيب بمنع المقدمات بأسرها أما الأولى فباحتمال أن لا يسمى بعد القتل مؤمنًا وإن كان قبل مؤمنًا، وأما الأخريان فبخصوص المحمول وجزئية الموضوع كما تقرر آنفًا.
{وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} أي ليس لكل منهم ناصر ينصره ويخلصه مما هو فيه، والجملة تذييل لإظهار فظاعة حالهم، وفيه تأكيد للاستدعاء ووضع الظالمين موضع ضمير المدخلين لذمهم والإشعار بتعليل دخولهم النار بظلمهم، وتمسكت المعتزلة بنفي الأنصار على نفي الشفاعة لسائر المدخلين، وأجيب بأن الظالم على الإطلاق هو الكافر لقوله تعالى: {والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: 254]، وقيل: نفي الناصر لا يمنع نفي الشفيع لأن النصر دفع بقوة والشفاعة تخليص بخضوع وتضرع وله وجه، والقول بأن العرف لا يساعده غير متجه.
وقال في (الكشف): الظاهر من الآية أن من دخل النار لا ناصر له من دخولها أما أنه لا ناصر له من الخروج بعد الدخول فلا، وذلك لأنه عام في نفي الافراد مهمل بحسب الأوقات، والظاهر التقييد بما يطلب النصر أولا لأجله كمن أخذ يعاقب فقلت: ما له من ناصر لم يفهم منه أن العقاب لا ينتهي بنفسه وأنه بعد العقاب لم يشفع بل فهم منه لم يمنعه أحد مما حل به، ثم إن سلم التساوي لم يدل على النفي، وأجاب غير واحد على تقدير عموم الظالم وعدم الفرق بين النصر والشفاعة بأن الأدلة الدالة على الشفاعة وهي أكثر من أن تحصى مخصصة للعموم، وقد تقدم ما ينفعك هنا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (193):

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ابتهلوا بهاتين الآيتين في الإنجاء عن النار توسلوا بذكر مسارعتهم إلى إجابة الداعي بقولهم: {ربنا} ولما كانت حالهم- لمعرفتهم بأنهم لا ينفكون عن تقصير وإن بالغوا في الاجتهاد، لأنه لا يستطيع أحد أن يقدر الله حق قدره- شبيهة بحال من لم يؤمن؛ اقتضى المقام التأكيد إشارة إلى هضم أنفسهم بالاعتراف بذنوبهم فقالوا مع علمهم بأن المخاطب عالم بكل شيء: {إننا} فأظهروا النون إبلاغًا في التأكيد {سمعنا مناديًا} أي من قبلك، وزاد في تفخيمه بذكر ما منه النداء مقيدًا بعد الإطلاق بقوله: {ينادي} قال محمد بن كعب القرظي: هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما كانت اللام تصلح للتعليل ومعنى إلى عبر بها فقيل: {للإيمان} ثم فسروه تفخيمًا له بقولهم: {أن آمنوا بربكم} ثم أخبر بمسارعتهم إلى الإجابة بقولهم: {فآمنا} أي عقب السماع.
ثم أزالوا ما ربما يظن من ميلهم إلى ربوة الإعجاب بقولهم تصريحًا بما أفهمه التأكيد لمن علمه محيط: {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا} أي التي أسلفناها قبل الإيمان بأن تقبل منا الإيمان فلا تزيغ قلوبنا، فيكون جابًّا لما قبله عندك كما كان جابًّا له في ظاهر الشرع، وكذا ما فرط منا بعد الإيمان ولو كان بغير توبة، وإليه الإشارة بقولهم: {وكفر عنا سيآتنا} أي بأن توفقنا بعد تشريفك لنا بالإيمان لاجتناب الكبائر بفعل الطاعات المكفرة للصغائر {وتوفنا مع الأبرار} أي ليس لنا سيئات. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الأبرار} بالإمالة: أبو عمرو وحمزة غير خلاد ورجاء. والكسائي والنجاري عن ورش، وخلف وابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان. وكذلك كل ما تكرر فيه الراء غير ابن مجاهد والنقاش في جميع القرآن. {وقتلوا وقاتلوا} حمزة وعلي وخلف، وقرأ ابن كثير وابن عامر {وقتلوا} مشددًا. الباقون: {وقاتلوا وقتلوا} مخففًا. {لا يغرنك} بالنون الخفيفة: رويس. الباقون بالتشديد {نزلًا} حيث كان بالاختلاس عباس.

.الوقوف:

{الألباب} ج لاحتمال الذين صفة أو مستأنفًا نصبًا أو رفعًا على المدح بتقدير أعني الذين أو هم الذين والوصل أشهر. {والأرض} ج لحق المحذوف أي يقولون ربنا. {باطلًا} ج للابتداء بسبحانك تعظيمًا وإلا فالقول متحد وفاء التعقيب متعقب. {النار} o {أخزيته} ط {أنصار} o {فآمنا} قف قتيل: والوصل أولى لأن كلمة {ربنا} تكرار لمزيد الابتهال، وقوله: {فاغفر لنا} معطوف على {آمنا} أي إذا آمنا فاغفر. {الأبرار} o ج للآية وللعطف. {يوم القيامة} ط {الميعاد} o {أنثى} ج لاتحاد الكلام وإلا فبعضكم مبتدأ {من بعض} ج {الأنهار} ز لأن {ثوابًا} مفعول له أو مصدر. {من عند الله} ط {الثواب} o {البلاد} o ط لأن التقدير لهم متاع أو ذلك متاع. {جهنم} ط {المهاد} o {من عند الله} ط {للأبرار} o {لله} لا لأن ما بعده حال آخر {قليلًا} ط {عند ربهم} ط {الحساب} o {تفلحون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في المنادي قولان:
أحدهما: أنه محمد عليه الصلاة والسلام وهو قول الأكثرين، والدليل عليه قوله تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ} [النحل: 125] {وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] {أَدْعُو إلى الله} [يوسف: 108].
والثاني: أنه هو القرآن، قالوا أنه تعالى حكى عن مؤمني الإنس ذلك كما حكى عن مؤمني الجن قوله: {إنَّا سمعنا قرآنًا عجبًا يَهْدِى إِلَى الرشد فَئَامَنَّا بِهِ} [الجن: 1، 2] قالوا: والدليل على أن تفسير الآية بهذا الوجه أولى لأنه ليس كل أحد لقي النبي صلى الله عليه وسلم، أما القرآن فكل أحد سمعه وفهمه، قالوا: وهذا وان كان مجازا إلا أنه مجاز متعارف، لأن القرآن لما كان مشتملا على الرشد، وكان كل من تأمله وصل به إلى الهدى إذا وفقه الله تعالى لذلك، فصار كأنه يدعو إلى نفسه وينادي بما فيه من أنواع الدلائل، كما قيل في جهنم: {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وتولى} [المعارج: 17] إذ كان مصيرهم اليها، والفصحاء والشعراء يصفون الدهر بأنه ينادي ويعظ، ومرادهم منها دلالة تصاريف الزمان، قال الشاعر:
يا واضع الميت في قبره.. خاطبك الدهر فلم تسمع. اهـ.

.قال الألوسي:

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى للإيمان} على معنى القول أيضا، وهو كما قال شيخ الإسلام: حكاية لدعاء آخر مبني على تأملهم في الدليل السمعي بعد حكاية دعائهم السابق المبني على تفكرهم في الأدلة القطعية، ولا يخفى أن ذلك التفكر مستدع في الجملة لهذا القول، وفي تصدير مقدمة الدعاء بالنداء إشارة إلى كمال توجههم إلى مولاهم وعدم غفلتهم عنه مع إظهار كمال الضراعة والابتهال إلى معوّد الإحسان والإفضال، وفي التأكيد إيذان بصدور ذلك عنهم بوفور الرغبة ومزيد العناية وكمال النشاط. اهـ.
قال الألوسي:
والتنوين في المنادى للتفخيم وإيثاره على الداعي للإشارة إلى كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى القريب والبعيد لما فيه من الإيذان برفع الصوت، وقد كان شأنه الرفيع صلى الله عليه وسلم في الخطب ذلك الرفع حقيقة، ففي الخبر كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {يُنَادِى للإيمان} وجوه:
الأول: أن اللام بمعنى إلى كقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [المجادلة: 8] {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} [المجادلة: 3] {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 43] ويقال: دعاه لكذا والى كذا، وندبه له واليه، وناداه له وإليه، وهداه للطريق وإليه، والسبب في إقامة كل واحدة من هاتين اللفظتين مقام الأخرى: أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص حاصلان جميعا.
الثاني: قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي بأن آمنوا، كما يقال: جاءنا منادي الأمير ينادي بكذا وكذا.
والثالث: أن هذه اللام لام الأجل والمعنى: سمعنا مناديا كان نداؤه ليؤمن الناس، أي كان المنادي ينادي لهذا الغرض، ألا تراه قال: {أن آمنوا بربكم} أي لتؤمن الناس، وهو كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله} [النساء: 64]. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي إطلاق المنادى أولًا حيث قال سبحانه: {مُنَادِيًا} ولم يذكر ما دعي له، ثم قوله عز شأنه بعد: {يُنَادِى للإيمان} ما لا يخفى من التعظيم لشأن المنادى والمنادى له، ولو قيل من أول الأمر {مُنَادِيًا للإيمان} لم يكن بهذه المثابة، وحذف المفعول الصريح لينادي إيذانًا بالعموم أي ينادي كل واحد. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنهم طلبوا من الله تعالى في هذا الدعاء ثلاثة أشياء: أولها: غفران الذنوب، وثانيها: تكفير السيئات، وثالثها: أن تكون وفاتهم مع الأبرار.
أما الغفران فهو الستر والتغطية، والتكفير أيضا هو التغطية، يقال: رجل مكفر بالسلاح، أي مغطى به، والكفر منه أيضا، وقال لبيد:
في ليلة كفر النجوم ظلامها.. إذا عرفت هذا: فالمغفرة والتكفير بحسب اللغة معناهما شيء واحد.
أما المفسرون فذكروا فيه وجوها:
أحدها: أن المراد بهما شيء واحد وإنما أعيد ذلك للتأكيد لأن الالحاح في الدعاء والمبالغة فيه مندوب، وثانيها: المراد بالأول ما تقدم من الذنوب، وبالثاني المستأنف، وثالثها: أن يريد بالغفران ما يزول بالتوبة، وبالكفران ما تكفره الطاعة العظيمة، ورابعها: أن يكون المراد بالاول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية وذنبا، وبالثاني: ما أتى به الإنسان مع جهله بكونه معصية وذنبا. اهـ.